الأحد، 21 يوليو 2013

لعدالة الانتقالية في ليبيا .... مقاربة شمولية

.
ترافق عملية الانتقال في ليبيا تحديات كبرى , على الرغم من أن هذا الانتقال يحمل في طياته آمال وتطلعات جديدة , يٌبين في الوقت ذاته الخيارات الصعبة التي يلزم أن يتخدها المجتمع الليبي في طريقه نحو الديمقراطية والتقدم .
وعلى الرغم من أن مصطلح العدالة الانتقالية أصبح شائعاً على نطاق واسع , إلا أنه مازال هناك بعض الغموض يشوبه , فكلمة انتقالية في ليبيا تعني أن النظام السابق يحتضر بينما لم يول النظام الجديد بعد .
وبطبيعة الحال للعدالة أنواع مختلفة كما يقول الدكتور المصري سيد غانم أستاد العلوم السياسية بجامعة القاهرة كثير مايشار إلي أنها جزائية أوتعويضية أو حتى أنها تحوُل اقتصاي أو اجتماعي .بينما في نظر من يلتزمون بالعدالة الجنائية , قد لاترقي العدالة الانتقالية إلي هذه المرتبة , يلزم تحديدها بدقة لتفادي تباعدها عن قوة ومشروعية العدالة الجنائية .
وتجد الاشارة هنا إلي أن العدالة الانتقالية لاتتعارض مع العدالة الجنائية , فهي ببساطة وسيلة ملائمة للسعي وراء مجتمع عادل عقب نظام ديكتاتوري .... فالعدالة الانتقالية أعمق وأغني وأوسع , وتسعي لمواجهة المتوررطيين ,وكذلك تهتم بأحتياجات الضحايا وتساهم في عملية المصالحة الوطنية , والتى للأسف تسير في ليبيا بخطوات ابطاء من خطوات بطة عرجاء . لاحرية في ليبيا بدون سيادة القانون فهو الفاصل عن الفوضى .وللحفاظ على سيادة القانون لابدّ من المحاسبة على كل الأنتهاكات ... فمحاسبة المتورطيين هي بمثابة مواساة لايٌستهان بها لضحايا بٌترت أيديهم وأدرعهم واغتصبت حقوقم آبان العهد السابق أو بعده . العدالة الانتقالية ليست عملية حسابية بل بالعكس لكل دولة ولكل مرحلة ولكل شعب خصوصية يجب مراعاتها والتدقيق فيها . فأي مجتمع يمر بمرحلة اننتقالية لابد من خمسة أركان اساسية تٌحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية
1- المحاسبة :
سيادة القانون وإقامة عدالة مٌنصفة ومتساوية جديرتان بأوفر قدر من احترامنا , فلا يمكننا أن ندعي الحرية والديمقراطية طالما ليس هناك تقيُد صـــارم لنا من قبل القانون . فالديكتاتوريون والأنظمة الاستبدادية يتخلوا عن القانون في أول فرصة سانحة ويلجئون إلي السلطة القائمة على سياسة التطاول مما يؤدي إلى جميع الانتهاكات . فمن أسس العدالة الانتقالية المتابعة القضائية التى تٌحول دون تولي المسؤولين الكبار من كانوا دعما للدكتاتور وركيزة لنظامه مناصب نافدة من جديد , فالمحاكمم والهيئات القضائية "الخاصة " تهدف إلى معاقبة الأشخاص الذين يتحملون قدر من المسؤولية في انتهاكات حقوق الإنسان , الأمر الذي يسهم فى كسر حلقة الانتقام الجمــــاعي .
2- الكشف عن الحقيقة :
الحقيقة هي بمثابة حجر الزاوية في سيادة القانون ويجب أن تتجه صوب الأفراد وليس الشعوب , باعتبارهم مرتكبي الجرائم بالحقيقة فقط نعمل على تضميد الجروح . ومن الآليات غير القضائية التى عوّل عليها لكشف الحقيقة في العقود الماضية مايعرف بهيئات المصالحة والتى شهد العالم منها مايقارب 27 هيئة , كانت درجات نجاحها متفاوتة , وهناك الآن مالايقل عن أربع هيئات للمصالحة " المغرب – سيراليون – تيمور الشرقية – غانا " وهناك هيئات أخرى قيد الأنشاء وتشمل ليبيا وجمهورية الكنغو الديمقراطية وليبيريا . ولنا الأستفادة من تجربة هيئة الحقيقة والإنصاف لجنوب إفريقيا حيث ميّزت بين أربعة أصناف من الحقيقة :
الصنف الأول , يشير إلى الحقيقة الموضوعية المبنية على الواقع أو الشرعية " تقوم الهيأة بإعداد تقرير شامل يعرض أنشطتها والنتائج التى توصلت إليها , بناء على وقائع ومعلومات موضوعية .
الصنف الثاني يشير إلى الحقيقة الشخصية أو السردية , من خلال سردهم لتجاربهم الشخصية , حيث قام الضحايا ومرتكبوا الانتهاكات معا بإعطاء معنى لتجربتهم المتعددة المستويات , عن طريق وسائل الأعلام , تمكن الرأي العام من الاطلاع على هذه الحقائق الشخصية .
الصنف الثالث : هو الحقيقة الاجتماعية أو الحوارية , فقبل أن تباشر الهيأة عملها ميزت بين الحقيقة المجهرية التى تٌحيل على الوقائع ويمكن التحقق من صحتها ودعمها بالوثائق وإثباتها . والحقيقة الحوارية الاجتماعية والتى تستند إلى التجربة التى يمكن إثباتها عن طريق التفاعل والمناقشة وتبادل وجهات النظر .
الصنف الرابع والأخير : حقيقة الالتئام وجبر الضرر , وذلك من خلال البحث في الماضي والنظر للمستقبل .
3- المصالحة :
تنطوي المصالحة على الالتزام والتضحية , وفي أسواء أوجهها , لاتعدو أن تكون ذريعة لانعدام الفعالية الناجمة عن الانحياز للأقوياء ضد الضعفاء والمحرومين , وفي كثير من الحالات أعطي الدين شكلاً سيئاً للمصالحة لأن ممثليه ساندوا أولئك الذين استغلوا وسلبوا شعوبا بكاملها عوض أن يتضامنوا مع المضظهدين . فعندما تدعوا المصالحة إلى النسيان أو التكتم فقط فإنها تصبح زائفة , وإذا لم تكن المصالحة مصحوبة بالاعتراف بالماضي وبقبول المسؤولية , فإنها تصبح منبوذة باعتبارها تنميقاً ليس إلا . والمصالحة هي مسلسل ووسيلة للوصول إلى سلم غالبا يكون زائفاً . تعرف المصالحة حظوظ نجاح أكبر ويكون فهمها أفضل عندما يٌدرك الضحايا بأن هناك اهتمام بشكاواهم وبأن صرختهم مسموعة وبأن جدار الصمت تكسر . يمكن الشروع في المصالحة عندما يٌحاسب المتوطون , وعندما يتم البحث عن الحقيقة بشفافية وبدون خوف , وعندما يبدأ إصلاح المؤسسات , وعندما يتم الاعتراف بضرورة جبر الضرر والانتقال إلى حيز التنفي . وتصبح المصالحة ممكنة إلى حد كبير مابين مواطني ليبيا , عندما يكون رموز النظام السابق للحديث بصدق وبالتفصيل عن تورطهم بإعتبارهم ركيزة أو ركن من أركان نظام القدافي .
4- إصلاح المؤسسات :
لكي يحصل تقدم على مسار المصالحة , لابد من إعطاء أهمية بالغة ومركزية ليس فقط للأفراد , بل للمؤسسات أيضاً ومن الضروري أن يكون إصلاح المؤسسات في المرحلة الانتقالية في صميم التحول .
فمن بين المشاكل الرئيسة التى حالت وتحولٌ دون انتقال ليبيا من ماضيها الرهيب إلى ديمقراطية مٌشرقة هناك مؤسسات لم يطرأ عليها أي تغيير يٌذكر , فأغلب الضباط مازالوا يتحكمون بالجيش والشرطة . والشيء ذاته ينطبق على أهم المؤسسات . فبدون إصلاح جذري للمؤسسات لن تنعم بفرصة فعلية لتحقيق النمووالازدهار والسلم . لابد من دعم جسور التواصل والالتزام ليس فقط بالعدالة الجنائية , بل أيضاً بالعدالة الاقتصادية ولتحقيق هذه الغاية من الضروري تغير المؤسسات وتطهيرها من رموز الفساد .
5- جبر الضرر :
ماالسبيل إلى خلق توازن بين المصالح المشروعة والمتعارضةعند عند معالجة أضرار الضحايا من جهة سواء كان الجبر مادي أو معنوي وضمان استقرار ليبيا من جهة ثانية ؟ وكيف يمكن إشراك الضحايا فيتحديد مايجب فعله وكيف يمكن تفادي أن تفرض عليهم صيغ صادرة من السلطات العليا , وكيف يمكن جعلهم مشاركين فعليين في إعادة بناء حياتهم ؟
من الأكيد أن نجاح برامج جبر الضرر وإستراتيجيات العدالة الانتقالية بشكل عام , رهين بالقدرة على تشكيل تحالفات سياسية واسعة وعزيمة وتضامن المجتمع ككل . فعن طريق جبر الضرر يمكن للناجيين أن يتعايشوا مع الذين أودوا بحياة أعز دويهم, ويمكن استعادة الثقة في مجتمع تعرضنا فيه لخيانة أقرب الأقارب وحرمونا من المأوى .

د عبدالمنعم الحر الأمين
العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان – ليبيا .
aabedmnam@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق